بسم الله الرحمن
الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة التسبيح " سبحان الله " تتضمن
أصلا عظيما من أصول التوحيد ، وركنا أساسيا من أركان الإيمان بالله عز وجل ، وهو
تنزيهه سبحانه وتعالى عن العيب ، والنقص ، والأوهام الفاسدة ، والظنون الكاذبة
.
وأصلها اللغوي يدل على هذا المعنى ، فهي مأخوذة من " السَّبْح " : وهو البُعد
:
يقول العلامة ابن فارس : " العرب تقول : سبحان مِن كذا ، أي ما أبعدَه . قال
الأعشى :
سُبحانَ مِنْ علقمةَ الفاخِر أقولُ لمّا جاءني فخرُهُ
وقال قوم :
تأويلُهُ عجباً له إِذَا يَفْخَر . وهذا قريبٌ من ذاك ؛ لأنَّه تبعيدٌ له من
الفَخْر " انتهى.
"معجم مقاييس اللغة" (3/96)
فتسبيح الله عز وجل إبعاد
القلوب والأفكار عن أن تظن به نقصا ، أو تنسب إليه شرا ، وتنزيهه عن كل عيب نسبه
إليه المشركون والملحدون .
وبهذا المعنى جاء السياق القرآني :
قال تعالى : (
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ
كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ
عَمَّا يَصِفُونَ ) المؤمنون/91
( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ
نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ . سُبْحَانَ اللَّهِ
عَمَّا يَصِفُونَ ) الصافات/158-159
( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ
الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ )
الحشر/23
ومنه أيضا ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (5/384) عن حذيفة رضي
الله عنه – في وصف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل - قال : ( وَإِذَا
مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَنْزِيهٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَبَّحَ ) صححه الألباني في
صحيح الجامع (4782) ومحققو المسند .
وقد روى الإمام الطبراني في كتابه
"الدعاء" مجموعة من الآثار في تفسير هذه الكلمة ، جمعها في باب : " تفسير التسبيح "
(ص/498-500) ، ومما جاء فيه :
عن ابن عباس رضي الله عنهما :
" سبحان
الله " : تنزيه الله عز وجل عن كل سوء .
وعن يزيد بن الأصم قال :
جاء
رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال :
" لا إله إلا الله " نعرفها : لا إله
غيره ، و " الحمد لله " نعرفها : أن النعم كلها منه ، وهو المحمود عليها ، و " الله
أكبر " نعرفها : لا شي أكبر منه ، فما " سبحان الله " ؟
قال : كلمة رضيها الله
عز وجل لنفسه ، وأمر بها ملائكته ، وفزع لها الأخيار من خلقه .
وعن عبد الله بن
بريدة يحدث أن رجلا سأل عليا رضي الله عنه عن " سبحان الله " ، فقال : تعظيم جلال
الله .
وعن مجاهد قال :
التسبيح : انكفاف الله من كل سوء .
وعن ميمون
بن مهران قال :
" سبحان الله " : تعظيم الله اسم يعظم الله به .
وعن
الحسن قال :
" سبحان الله " : اسم ممنوع لم يستطع أحد من الخلق أن ينتحله
.
وعن أبي عبيدة معمر بن المثنى :
" سبحان الله " : تنزيه الله وتبرئته
.
وقال الطبراني : حدثنا الفضل بن الحباب قال : سمعت ابن عائشة يقول :
العرب إذا أنكرت الشيء وأعظمته قالت : " سبحان " ، فكأنه تنزيه الله عز وجل عن
كل سوء لا ينبغي أن يوصف بغير صفته ، ونصبته على معنى تسبيحا لله .
يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" والأمر بتسبيحه يقتضي أيضا تنزيهه عن كل
عيب وسوء ، وإثبات صفات الكمال له ، فإن التسبيح يقتضي التنزيه ، والتعظيم ،
والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها ، فيقتضي ذلك تنزيهه ، وتحميده ،
وتكبيره ، وتوحيده " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (16/125)
ثانيا
:
أما معنى ( وبحمده ) فهي - باختصار – تعني الجمع بين التسبيح والحمد ، إما
على وجه الحال ، أو على وجه العطف ، والتقدير : أسبح الله تعالى حال كوني حامدا له
، أو أسبح الله تعالى وأحمده .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قوله : (
وبحمده )
قيل : الواو للحال ، والتقدير : أسبح الله متلبسا بحمدي له [أي :
محافظا ومستمسكا] من أجل توفيقه.
وقيل : عاطفة ، والتقدير : أسبح الله وأتلبس
بحمده ...
ويحتمل أن تكون الباء متعلقة بمحذوف متقدم ، والتقدير : وأثني عليه
بحمده ، فيكون سبحان الله جملة مستقلة ، وبحمده جملة أخرى .
وقال الخطابي في
حديث : ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ) أي : بقوتك التي هي نعمة توجب علي حمدك ،
سبحتك ، لا بحولي وبقوتي ، كأنه يريد أن ذلك مما أقيم فيه السبب مقام
المسبب
"فتح الباري" (13/541) ، وانظر " النهاية في غريب الحديث " لابن الأثير
(1/457)