بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم أحمد الله مولي النعم،
ومقدرها في القدم، الموصوف بالعطاء منا منه والكرم. وصلواته على محمد النهاية في العظم، وخاتم الرسل إلى
الخلائق والأمم،وعلى آله المخصوصين بأحسن الشيم وأحكم
الحكم، وصحبه ناصري الإسلام ومظهريه في العرب
والعجم.السلام عليكم و رحمة الله وبركاته عبد الله بدر المالكي
النظام الكوني الذي يدل على مهارة الصانع ودقة الصنعة قد ذكر مفصلاً في القرآن
الكريم وبمختلف الاتجاهات والطرق التي تم التعبير فيها عن حقائق الكون، ودون الولوج
إلى التفاصيل التي تقرر ما أشرنا إليه نجد ذلك سارب في أسماء السور التي تكون
القرآن الكريم، حيث إن دلالاتها تغطي كل الوجود المشاهد وصولاً إلى الأعراض أو ما
يختلج النفس من أوهام ومشاعر، كل هذا تجسد تحت التغطية المتمثلة بأسماء السور سواء
كانت توقيفية أو اصطلاحية.
فإن قيل: إذا كانت أسماء السور اصطلاحية، ألا يتنافى هذا مع الطرح الذي قدمت؟
أقول: لا يتنافى مع ما قدمت إذا جعلنا الطرح يمهد لأضعف الوجوه التي بنيت عليها
مادة السور القرآنية فضلاً عن التوسع، وهذا ما جعل بعض المفسرين يذهب إلى أن الحروف
المقطعة هي أسماء للسور، إلا أن هذا المذهب يقرر التأرجح بين التوقيف والاصطلاح من
جهة، ومن جهة أخرى يثبت التوازن والتكامل المستفاد من الأسماء التي يراعى فيها
التقابل الذي نجده في متفرقات القرآن الكريم.
وهذا التقابل تقرره الأسماء نفسها كما هو الحال بين سورتي المؤمنون والكافرون
والجن والناس والشمس والقمر...الخ، فإن قيل: القرآن الكريم يقابل الجن بالإنس وهذا
مستطرد؟ أقول: ما تشير إليه أسماء السور لا يقتضي الملكات الناطقة، ولذلك جعل الناس
مقابل الجِنّة عدولاً عن الجن الذي يستقيم المعنى فيه أيضاً بغير القرآن، كما هو
الحال في عدوله عن التلاوة إلى الذكر في قوله: "فالتاليات ذكراً" "الصافات 3". وهذا
ظاهر في سياق الآيات التي أضافت الصف للصافات والزجر للزاجرات، أما في التاليات فقد
عدل القرآن كما أشرت إلى الذكر لرفع الوهم الحاصل في المعنى المقرر للسير اللاحق،
فتأمل.
والقرآن الكريم يراعي إزالة اللبس في جميع حركاته وسكناته التي يحسبها البعض
زيادة على الأصل كما في قوله تعالى: "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة
إذا رجعتم تلك عشرة كاملة..." "البقرة 196". وكما هو ظاهر في الآية الكريمة فإن
الناتج هو تحصيل حاصل، إلا أن القرآن الكريم أتى به لإزالة اللبس حيث إن حرف الواو
كثيراً ما يأتي بمعنى "أو" فيكون التوهم أن الصيام مرخص فيه بين ثلاثة أيام في الحج
أو سبعة عند الرجوع، إلا أن الجمع الذي ورد في قوله تعالى: "تلك عشرة كاملة" أزال
هذا الشك، فإن قيل: وهل جاءت الواو بمعنى أو؟ أقول: نعم وذلك في قوله تعالى:
"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" "النساء 3".
فالواو هنا بمعنى "أو" والتخيير ظاهر في قوله عز وجل: "فإن خفتم ألا تعدلوا
فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا" "النساء 3". وقد تأتي "أو" بمعنى
الواو كما في قوله تعالى: "فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً" "الإنسان
24". والمعنى ظاهر من أن الطاعة التي نهى عنها الله تعالى للاثنين دون التخيير
بينهما. وهذا كقوله جل وعلا: "أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم
تغن بالأمس..." "يونس 24". وهذا كثير في القرآن الكريم.
من هنا نجد أن التكامل يبين لنا حقيقة المقابلة بين الحروف المقطعة التي افتتح
تعالى فيها بعض السور وبين السور الأخرى التي بينت أطوار النظام الكوني في افتتاحها
ليضاف هذا الرصيد إلى التكامل المتقابل في القرآن الكريم؛ وبغض النظر عن الآراء
التقليدية نكون قد وصلنا إلى أن الفائدة التي حصلنا عليها من تلك الحروف تكمن في
التحدي المستخلص من الكتاب الكوني وصولاً إلى الكتاب المقروء. علماً أن هذه الحروف
ليست بدعاً في التراث العربي فقد استعملها العرب في نثرهم وشعرهم، حيث إن طباعهم
تميل إلى الإيجاز والاختصار في التعبير عن مقاصدهم وقد نسب إلى الوليد بن عقبة
قوله:
"قلت لها قفي، فقالت قاف/ لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف". وقاف يعني وقفت.
وقال آخر:
نادوهم ألا ألجموا ألا تا
قالوا جميعاً كلهم ألا فا.
وهنا أراد: ألا تركبون، قالوا: ألا فاركبوا. وقال زهير:
"بالخير خيرات وإن
شراً فشر/ ولا أريد الشر إلا أن تا".
وأراد هنا وإن شراً فشر إلا أن تشاء.
ونجد أن الحروف ظاهرة في قصيدة لامرئ القيس يقول فيها:
فكم كم وكم كم ثم كم
كم وكم وكم
قطعت الفيافي والمهامة لم أمل
وكاف وكفكاف وكفي بكفها
وكافي
كفوف الماء من كفها انهمل.
ولما كانت الحروف المقطعة مستعملة في أشعارهم وخطبهم كان لا بد للقرآن الكريم أن
يتحداهم بما ألفوه في لسانهم وكأنه يقول إن اللغة التي تتكلمون بها مكونة من نفس
الحروف التي نزل بها القرآن الكريم، فهلا استطعتم مجاراته والمجيء بمثله أو بحديث
مثله على أقل تقدير؟، لأن اللغة لا يحيط بمقاصدها إلا من كان يمتلك سعة الفهم بها،
ومن هنا نعلم أن أساتذة البلاغة وفصحاء اللسان كان لديهم علم اليقين أن هذا الكتاب
هو من عند الله تعالى لذا آثروا الصمت دون المحاولة أو بذل الجهد في أن يأتوا ولو
بسورة واحدة من مثله.
ولا يمكن أن يكون صمتهم هذا ناتجاً عن الصرفة كما يدعي البعض علماً أن التحدي ما
يزال قائماً إلى اليوم، وصدق تعالى حيث يقول: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن
يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً" "الإسراء
88".
المصدرanwar1(6